عالم الجن والشياطين الجزء الثاني
عالم الجن والشياطين الجزء الثاني
قدرات الجن والشياطين
أعطى الله الجنّ قدرة لم يعطهـا للبشر ، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم ، فمن ذلك :
أولا: سرعة الحركة والانتقال :
قال تعالى : ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإِني عليه لقوي أمينٌ قال الَّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي )
ثانيا: قدرتهم على التصنيع والاعمار:
قال تعالى: ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدور راسيات)
ثالثا: قدرتهم على التشكل :
لهم القدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان ، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك ، ووعد المشركين بالنصر
قال تعالى : ( وإذا زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإِنِي جار لكم )
ولكن عندما التقى الجيشان ، وعاين الملائكة تتنزل من السماء ، ولى هاربا : ( فلما تراءت الفئتان نكص علـى عقبيه وقال إني بريء منكم إِني أرى ما لا ترون إني أخاف الله )
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة : ( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته
وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : إني محتاج ، وعلي عيال ، ولي حاجة شديدة
قال : فخليت عنه ، فأصبحت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ )
قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته ، فخليت سبيله
قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فرصدته ، فجاءَ يحثو من الطعام ، فأخذته
فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : دعني فإني محتاج ، وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته ، فخليت سبيله ، فأصبحت
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ )
قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله
قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فرصدته الثالثة ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته
فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات ، إنك تزعم لا تعود ، ثمّ تعود
قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها
قال : قلت : ما هن
قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي حتى تختم الآية ؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ )
قلت : يا رسول الله زعم أنّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخليت سبيله
قال : ما هي ؟
قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ )
قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان )
فقد تشكل هذا الشيطان في صورة إنسان
وقد يتشكل في صورة حيوان : جمل ، أو حمار ، أو بقرة ، أو كلب ، أو قط ، وأكثر ما تتشكل بالأسود من الكلاب والقطط . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وعلل ذلك بأن ( الكلب الأسود شيطان )
يقول ابن تيمية : ( الكلب الأسود شيطان الكلاب ، والجن تتصور بصورته كثيراً ، وكذلك بصورة القط الأسود ؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وفيه قوة الحرارة )
كما تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ، ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات البيوت ، خشية أن يكون هذا المقتول جنياً قد أسلم
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان )
وقد قتل أحد الصحابة حيّة من حيات البيوت ، فكان في ذلك هلاكه ، روى مسلم في صحيحه : أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، فوجده يصلي ، قال : ( فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت ، فالتفت ، فإذا حيّة ، فوثبت لأقتلها فأشار إليّ ؛ أن اجلس ، فجلست
فما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم . قال : كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ، فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة ) .
فأخذ الرجل سلاحه ، ثمّ رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني .
فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه في الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً : الحية أم الفتى !
قال : فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا فقال : ( استغفروا لصاحبكم ) ، ثم قال : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنّما هو شيطان )
رابعا: سبقهم الإنسان في مجالات الفضاء :
ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء ، فيسترقون أخبار السماء ، ليعلموا بالحَدَث قبل أن يكون ، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم زيدت الحراسة في السماء : ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا )
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم
قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير
فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – ووصف سفيان بكفه ، فحرفها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة
فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء )
وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الأولى ، وذلك بأن تستمع الشياطين إلى الملائكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها الله
فعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تتحدث في العنان – والعنان الغمام – بالأمر يكون في الأرض ، فتستمع الشياطين الكلمة ، فتقرها في أذن الكاهن كما تقرّ القارورة ، فيزيدون معها مائة كذبة )
خامساً : الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
روى الشيخان عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم )
وعن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا ، فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ، ثمّ قمت فانقلبت ، فقام معي ليقبلني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي ) ،
فقالا : سبحان الله يا رسول الله !!
قال : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ) ، أو قال : ( شيئاً )
ولكن ..
الجن والشياطين كالإنس فيهم جوانب قوة ، وجوانب ضعف ... وكلنا يعلم أن عالمهم من العالم الغيبي الذي لا يجوز لنا أن نقتحمه ونتاوله بالفتيا والاسترسال الا بدليل نقلي ثابت من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وغير ذلك يعتبر رجما بالغيب
ولن أخوض هنا بشرح هذا العالم وما ورد به بل سأركز على ما يستطيع الشيطان فعله وله القدرة عليه وما لا يستطيع حتى يعرف كل منا أن اللــــــــه عزوجل لم يخلقنا لنكون العوبة أو صيدا سهلا لعالم نجهل عنه أكثر مما نعرف بل أعطانا القدرة على ايقاف الشيطان عند حده ورد كيده ...
قال تعالى : ( إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً )
ليست لهم القدرة على اجبار الناس على الضلال والكفر
فالشيطان ليس له طريق يتسلط بها على عباد الله ، لا من جهة الحجة ، ولا من جهة القدرة ، والشيطان يدرك هذه الحقيقة
( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربك وكيلاً )
( وا كان لي عليكم من سلطانٍ إلاَّ أن دعوتكم فاستجبتم لي )
والشيطان وأتباعه يعرفون هذه الحقيقة جيدا
( قال رب بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين – إلاَّ عبادك منهم المخلصين )
وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ، ويتابعونه عن رضا وطواعية
( إنَّما سلطانه على الَّذين يتولَّونه والَّذين هم به مشركون )
( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاَّ من اتبَّعك من الغاوين )
ولكن ما هو سلطان الشيطان على من يتولاه ؟
الجواب:
تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال ، وتمكنه منهم ، بحيث يؤزهم على الكفر والشرك ويهيجهم إليه ، ولا يدعهم يتركونه ،
قال تعالى : ( ألم تر أنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين تؤزُّهم أزاً )
كما أن سلطان الشيطان ليس لهم فيه حجّة وبرهان
بل استجابوا له بمجرد دعوته إياهم لأنها وافقت أهواءَهم وأغراضهم
فهنا يكونون هم الذين أعانوا على أنفسهم ، ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته
تسلط الشياطين على المؤمنين بالذنوب
قال تعالى: ( واتلُ عليهم نبأ الَّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشَّيطان فكان من الغاوين – ولو شئنا لرفعناه بها ولكنَّه أخلد إلى الأرض واتَّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الَّذين كذَّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلَّهم يتفكَّرون )
فهذا مثل لمن عرف الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه ، ثم هم يكفرون به
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ( إن الله مع القاضي لم يَجُر ، فإذا جار تبرأ منه ، وألزمه الشيطان )
الشياطين تخاف من بعض عباد الله وتهرب منهم
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : ( إن الشيطان ليخاف منك يا عمر )
( إني لأنظر إلى شياطين الجنّ والإنس قد فرّوا من عمر )
( والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلى سلك فجاً غير فجك )
وليس ذلك خاصاً بعمر ، فإن مَن قوي إيمانه يقهر شيطانه ، ويذله ، كما في الحديث : ( إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر )
قال ابن كثير : بعد أن ساق هذا الحديث : " ومعنى لينصي شيطانه : ليأخذ بناصيته ، فيغلبه ، ويقهره ، كما يفعل بالعبير إذا شرد ثم غلبه "
فإذا تمكن العبد في الإسلام ، ورسخ الإيمان في قلبه ، وكان وقّافاً عند حدود الله ، فإنّ الشيطان يفرق منه ، ويفرّ منه
لهم حدود لا يستطيعون تجاوزها
( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السَّماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاَّ بسلطانٍ
فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظٌ من نَّارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران )
فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم حدود لا يستطيعون أن يتعدوها ، وإلا فإنهم هالكون
4- لا يستطيعون حلّ سقاء .. ولا فتح بابا .. ولا كشف إناء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم ، وأغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً )
وفي لفظ لمسلم
( غطوا الإناء ، وأوكوا السقاء ، وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ،
فإن الشيطان لا يحلّ سقاءً ، ولا يفتح باباً ، ولا يكشف إناء )
No comments: