طريقة العلاج بالرقية الشرعية الجزء الثاني
طريقة العلاج بالرقية الشرعية جزء ثاني
الرقية الشرعية بالسنة النبوية
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل :
بسم الله ثلاثا ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر )
( أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة )
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريض أو أتي به قال :
أذهب البأس رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما )
( متفق عليه )
وعنها - رضي الله عنها – قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقى بهذه الرقية :
( أذهب البأس رب الناس ، بيدك الشفاء ، لا كاشف له إلا أنت )
( متفق عليه )
عن محمد بن سالم عن ثابت البناني قال : يا محمد : إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل
( بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته ، من شر ما أجد من وجعي هذا )
ثم ارفع يدك ، ثم أعد ذلك وترا ، فإن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك )
( أخرجه الترمذي والحاكم وابن حبان وصححه الألباني )
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله
فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يشفيك ، إلا عوفي )
( أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي وصححه الألباني )
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – : ( أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! اشتكيت ؟ فقال : ( نعم ) ، فقال جبريل – عليه السلام - :
(باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شركل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك )
( أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي )
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : ( يعوذ الحسن والحسين ويقول : إن أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة )
( أخرجه الإمام أحمد والإمام البخاري وأبو داوود والترمذي وابن ماجة والنسائي )
وعن عبدالرحمن بن خنبش - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ! قل قلت : وما أقول؟ قال : قل :
أعوذ بكلمات الله التامات ، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق ، وذرأ ، وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، وبرأ ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر كل طارق يطرق ، إلا طارقا يطرق بخير ، يا رحمن ! )
( أخرجه الإمام أحمد والطبراني والنسائي والهيثمي وصححه الألباني )
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى رقاه جبريل قال :
بسم الله يبريك ، من داء يشفيك ، ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين )
( أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم )
يقول ابن القيم - رحمه الله – في كتابه ( الطب النبوي – بتصرف ) فالقلب إذا كان ممتلئا من الله مغمورا بذكره وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه ، وعند السحرة : أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة والنفوس الشهوانية ولهذا غالب ما يؤثر فيمن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية )
النفث ومسح الرأس وما يلي الجسد :
بعد الانتهاء من الرقية الشرعية بشكل عام ، يجمع كفيه وينفث بهما ، ويمسح وجهه وما يلي جسده ، ويفعل ذلك لأهل بيته للانتفاع بالنفث أو التفل المباشر لكلام الله عز وجل
وضع اليد مكان الألم أو مسحه والدعاء : وضع اليد مكان الألم أو مسحه والدعاء بالأدعية المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – في كتاب ( الفتاوى الذهبية ) :
( ولا بأس أيضا بوضع اليد على موضع الألم ومسحه بعد النفث عليه ، كما أنه يجوز القراءة ثم النفث بعدها على البدن كله وعلى موضع الألم للأحاديث المذكورة ، والمسح هو أن ينفث على الجسد المتألم بعد الدعاء أو القراءة ثم يمر بيده على ذلك الموضع مرارا ، ففي ذلك شفاء وتأثير بإذن الله تعالى )
أولا : حكم النفث والتفل في الرقية :
النفث :
قال ابن الأثير : ( النفث : نفخ يسير مع ريق يسير وهو أقل من التفل وقيل أنه بلا ريق ) ( النهاية في غريب الحديث – 5 / 88 )
التفل :
قال ابن الأثير : ( التفل شبيه بالبزاق وهو أقل منه ) ( النهاية في غريب الحديث – 1 / 192 )
ومما يدل على هاتين الكيفيتين النصوص الحديثية التالية :
النفث :
1)- عن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله يقول :
( الرؤيا الصالحة من الله ، والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها إلا من يحب )
( صحيح الجامع 3532 )
2)- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده ، رجاء بركتها )
( متفق عليه )
3)- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده )
( متفق عليه )
4)- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات )
( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام ( 50 )- باب استحباب رقية المريض - برقم ( 2192 ) ، أنظر صحيح الجامع 4783 )
5)- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ( سورة الإخلاص ـ الآية 1 ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ( سورة الفلق ـ الآية 1 ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ( سورة الناس ـ الآية 1 ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب فضائل القرآن - باب فضل المعوذات ( 14 ) - برقم 5017 )
التفل :
1)- عن عائشة – رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح ، قال باصبعه : هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ، ثم رفعها ، وقال بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا بإذن ربنا )
( متفق عليه )
قال الحافظ بن حجر : ( وقوله بريقة بعضنا " يدل على أنه كان يتفل عند الرقية )( فتح الباري – 10 / 208 )
2)- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – والحديث طويل -والشاهد فيه :
( فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك )
( متفق عليه )
* كيفية النفث والتفل :
ولأهمية موضوع النفث والكيفية المتعلقة به ، فسوف أنقل كلاما مختصرا لبعض أهل العلم ومن هؤلاء النووي والزمخشري نقلا عن المناوي أورداه في كتابي صحيح مسلم بشرح النووي وفيض القدير بشرح الجامع الصغير ، مع الإشارة إلى ذلك في موضع آخر من الكتاب في هذا الفصل ، المبحث الثالث ( موقف الاسلام من الرقى ) تحت عنوان ( الرقية بالمعوذتين ) مفاده الآتي :
قال النووي : ( قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات هي بكسر الواو والنفث نفخ لطيف بلا ريق فيه استحباب النفث في الرقية ، وقد أجمعوا على جوازه ، واستحبه الجمهـور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم قال القاضي : وأنكر جماعة النفث والتفل في الرقى ، وأجازوا فيها النفخ بلا ريق ، وهذا المذهب والفرق إنما يجيء على قول ضعيف قيل : إن النفث معه ريق قال : وقد اختلف العلماء في النفث والتفل ، فقيل : هما بمعنى ، ولا يكونان إلا بريق قال أبو عبيد : يشترط في التفل ريق يسير ، ولا يكون في النفث ، وقيل عكسه قال : وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى الله عليه وسلم في الرقيـة ، فقالت : كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه قال : ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ، ولا يقصد ذلك ، وقد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب : فجعل يجمع بزاقه ويتفل والله أعلم
قال القاضي : وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة ( يقول الدكتور ابراهيم البريكان – حفظه الله - : هذا بالنسبـة له صلى الله عليه وسلم دون غيره ، إذ التبرك بآثار غيره أمر محرم بل هو من الشرك الأصغر أو الأكبر بحسب اعتقاد المتبرك ) والهواء والنفس المباشرة للرقية ، والذكر الحسن
لكن قال : كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى وكان مالك ينفث إذا رقى نفسه ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13،14،15 – 351 – 352 )
قال المناوي : ( قال الزمخشري : والنفث بالفم شبيه بالنفخ ويقال نفث الراقي ريقه وهو أقل من التفل والحية تنفث السم ومنه قولهم لا بد للمصدور أن ينفث ، " ومسح عنه بيده " أي بيمينه مسح من ذلك النفث أعضاءه وقال الطيبي الضمير في عنه راجع إلى ذلك النفث والجار والمجرور حال ، أي نفث على بعض جسده ثم مسح بيده متجاوزا عن ذلك النفث إلى جميع أعضائه قال الحكيم : جاء في رواية بدل فنفث فقرأ فدل على أن النفث قبل القراءة ، وفي حديث بدأ بذكر القرآن ثم النفث وفي آخر بدأ بذكر النفث بالقراءة فلا يكون النفث إلا بعد القراءة ، وإذا فعل الشيء لشيء كان ذلك الشيء مقدما حتى يأتي الثاني وفي حديث آخر نفث بـ " قل هو الله أحد " وذلك يدل على أن القراءة تقدم ثم نفث ببركتها ) ( فيض القدير - باختصار - 5 / 101 )
قال ابن حجر في الفتح : ( قال القاضي عياض : فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه ذكر الله تعالى ، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر ( يقول الدكتور الشيخ ابراهيم البريكان – حفظه الله – هذا النقل فيه نظر فليس المقصود التبرك بالرطوبة والهواء ولكن المقصود مباشرة أثر الرقي للعضو المريض كما هو الظاهر من فعله – صلى الله عليه وسلم – وفعل أصحابه – رضي الله عنهم - ) ، وقد يكون على سبيل التفاؤل بنزول ذلك الألم عن المريض ، كانفصال ذلك عن الراقي ) ( فتح الباري - 10 / 197 )
قال الشوكاني : ( قال ابن أبي جمرة : محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها ( انظر البند الأول من الهامش السفلي ) ( نيل الأوطار- 3 / 290 )
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن التوفيق بين كون التبرك بغير ريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حديث " بسم الله تربة أرضنا الحديث " فأجاب – حفظه الله - : ( ذكر بعض العلماء أن هذا مخصوص برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأرض المدينة فقط وعلى هذا فلا إشكال ولكن رأي الجمهور أن هذا ليس خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأرض المدينة بل هو عام في كل راق وفي كل أرض ولكنه ليس من باب التبرك بالريق المجردة بل هو ريق مصحوب برقية وتربة للاستشفاء وليس لمجرد التبرك
وجوابنا في الفتوى السابقة هو التبرك المحض بالريق وعليه فلا إشكال لاختلاف الصورتين ) ( نيل الأوطار- 3 / 290 )
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : ( ويتصل بالرقية الشرعية أن الرقية الغرض منها إيصال القرآن أو الدعاء إلى المرء إذا كان عن طريق النفخ أو التفل ورجح أن الجميع جائز ، فإن كان ينفخ وهو إخراج هواء وليس معه شيء من الريق فهو جائز وإن كان ينفث وهو المشروع والذي كان عليه الصلاة والسلام يقرأ ويتعوذ وينفث في يديه وينفث على المريض وأما أن تكون أعظم من النفث الذي هو إخراج بعض الريق مع الهواء فيكون التفل يعني يقرأ الفاتحة وإذا ختم ينفث مع بعض الريق أو يتفل ) ( مجلة الدعوة – صفحة 22 – العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
قلت : فالأحاديث آنفة الذكر وكلام أهل العلم يدل على جواز النفث والتفل في الرقية ؛ وبه قال جماعة من الصحابة وهو مذهب جمهور العلماء
* قول بعض أهل العلم بعدم جواز النفث والتفل في الرقية :
قال الأستاذ عكاشة عبدالمنان الطيبي : ( قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد
وقال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث في الرقى
وقال بعضهم : دخلت على الضحاك وهو وجع ، فقلت : ألا أعوذك يا أبا محمد ؟ قال : بلى ، ولكن لا تنفث ، فعوذته بالمعوذتين
وقال ابن جريج : قلت لعطاء : القرآن ينفخ به أو ينفث ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا ثم قال بعد : انفث إن شئت
وسئل محمد بن سيرين عن الرقية ينفث فيها فقال : لا أعلم بها بأساً ، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة ) ( نقلاً عن الاستشفاء بالقرآن والدعاء – ص 115 )
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهة النفث في الرقية كإبراهيم النخعي وعكرمة والحكم وحماد والأسود بن زيد ، والضحاك فمنهم من كرهه مطلقا ومنهم من كرهه عند قراءة القرآن
وحجتهم في ذلك أن الله عز وجل أمر بالاستعاذة من النفث ومن فاعله قال تعالى : ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ ) ( سورة الفلق - الآية 4 )
* رد أهل العلم على القائلين بعدم جواز النفث والتفل في الرقية :
وقد أجاب على ذلك أهل العلم حيث أفادوا الآتي :
* قال ابن بطال : ( ليس في ذمه عز وجل نفث أهل الباطل ما يوجب أن يكون كل نافث ونافثة للحق في معناه ، لأن النفاثات التي أمر الله تعالى نبيه بالاستعاذة من شرهن السحرة ، أما من نفث بالقرآن وبذكر الله تعالى على النحو الذي كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينفثون فليس ممن أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفث على نفسه بالمعوذات وأقر الصحابي الذي تفل على اللديغ بالفاتحة ) ( شرح البخـاري لابن بطال – ( خ ) لوحة ( 189 ) – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – 57 )
* قال القرطبي : ( ولأن النفث في العقد إنما أريد به السحر المضر بالأرواح ، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان فلا يقاس ما ينفع بما يضر ) ( الجامع لأحكام القرآن – 20 / 258 )
* قال ابن حجر : ( أما من كره النفث عند قراءة القرآن خاصة كإبراهيم النخعي فالحجة عليه الأحاديث التي ثبت فيها نفث النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذات وإقراره للصحابي الذي رقى اللديغ عندما كان يتفل في الرقية ) ( فتح الباري - 10 / 209 )
قال الأستاذ عكاشة عبدالمنان الطيبي : ( وأما ما روى عن عكرمة من قوله : لا ينبغي للراقي أن ينفث ، فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ به ، فلا يكون بنفسه عوذة ، وليس هذا هكذا ، لأن النفث في العقد إذا كان مذموماً لم يجب أن يكون النفث بلا عقد مذموماً ، ولأن النفث في العقد إنما أريد به السحر المضر بالأرواح ، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان فلا يقاس ما ينفع بما يضر وأما كراهة عكرمة المسح فخلاف السنة ) ( الاستشفاء بالقرآن والدعاء – ص 115 )
قلت : والراجح بل الصحيح في هذه المسألة هو جواز النفث والتفل في الرقية ، ويصح النفث أو التفل في الرقية أو معها أو بعدها كما سوف يتضح لاحقاً ، وهذا ما أكددته النصوص الحديثية ، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك والله تعالى أعلم
ثانيا : حكم النفث قبل القراءة أو بعدها أو معها ؟؟؟
إن المتأمل في النصوص آنفة الذكر والواردة في الكيفية الخاصة بالرقية يرى جواز النفث أو التفل قبل القراءة أو بعدها أو معها ، وأذكر هنا بعض النصوص الدالة على ذلك :
* النفث أو التفل قبل الرقية :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ( سورة الإخلاص - الآية 1 ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ( سورة الفلق - الآية 1 ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ( سورة الناس - الآية 1 )
ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا )
( صحيح البخاري 716 )
* النفث أو التفل بعد الرقية :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده ، رجاء بركتها )
( متفق عليه )
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - : ( ولا بأس أيضا بوضع اليد على موضع الألم ومسحه بعد النفث عليه ، كما أنه يجوز القراءة ثم النفث بعدها على البدن كله وعلى موضع الألم للأحاديث المذكورة ، والمسح هو أن ينفث على الجسد المتألم بعد الدعاء أو القراءة ثم يمر بيده على ذلك الموضع مرارا ، ففي ذلك شفاء وتأثير بإذن الله تعالى ) ( الفتاوى الذهبية - ص 18 )
ثالثا : حكم الرقية دون نفث أو تفل :
إن المتتبع للنصوص الحديثية يرى جواز الرقية بدون نفث وتفل ، وأستعرض بعض تلك النصوص :
1)- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – :
( أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي فقال : يا محمد ! اشتكيت ؟ فقال : ( نعم ) ، فقال جبريل – عليه السلام - : ( باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك )
( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام ( 40 ) - برقم 2186 )
2)- عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال :
( كان رسول الله يعوذ الحسن والحسين ويقول : أعيذكمـا بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الأنبياء ( 10 ) - برقم 3371 )
رابعا : حكم مسح الجسد باليد بعد الرقية :
بحيث يقوم الراقي أو المريض بعد الرقية الشرعية بمسح جسده أو جسد غيره ، ودليل ذلك :
عن ابن مسعود وعائشة ومحمد بن حاطب وجميلة بنت المجلل - رضوان الله تعالى عنهم أجمعين - : قالوا :
( كان رسول الله إذا أتى المريض فدعا له ، وفي رواية يعوذ بعضهم بمسحه بيمينه ويقول : أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما )
( متفق عليه )
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال ابن بطال في وضع اليد على المريض : تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعوا له بالعافية على حسب ما يبدوا له منه وربما رقاه بيده ومسح على ألمـه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحا ) ( فتح الباري - 10 / 126 )
قال النووي : ( قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكـى منا إنسان مسحه بيمينه ، ثم قال " أذهب الباس " إلى آخره فيه استحباب مسح المريض باليمين ، والدعاء له ، ومعنى " لا يغادر سقما " أي لا يتـرك ، والسقم بضم السين وإسكان القاف ، وبفتحهما ، لغتان ) ( صحيح مسلم بشرح النووي - 13،14،15 / 351 )
خامسا : حكم وضع اليد على مكان الألم عند الرقية :
بحيث يضع الراقي أو المريض يده مكان الألم عند الرقية ، ودليل ذلك :
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي - رضي الله عنه - أنه شكا الى رسول الله وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل : بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد ، وأحاذر )
( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 67 ) : باب استحباب وضع يده على موضع الألم ، مع الدعاء – برقم 2202 )
قلت : ولا بد للمعالج أن يحرص في تعامله مع النساء ، فلا يجوز له أن يلمس أو أن يضع يده على أي جزء من أجسامهن لثبوت الأدلة النقلية في ذلك ، وبإمكان القارئ الكريم مراجعة بحث هذه المسألة مفصلة في هذه السلسلة ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) تحت عنوان ( التقيد بالأمور الشرعية الخاصة بالنساء )
سادسا : حكم الرقية في الماء وشربه :
وكيفية ذلك أنه يؤتى بماء في إناء ونحوه ثم يقرأ عليه بالرقية المشروعة وينفث أو يتفل فيه ، أو أن يقرأ بالرقية الشرعية ثم ينفث أو يتفل في الماء ، وقد أفاد العلماء الأجلاء بمشروعية ذلك ، حيث قالوا :
قال محمد بن مفلح : ( وقال صالح بن الإمام أحمد : ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي : اشرب منه ، واغسل وجهك ويديك
ونقل عبدالله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقــرأ عليه ويشربه ، ويصب على نفسه منه
قال عبدالله : ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها 0 ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم ، فيستشفي به ويمسح به يديه ووجهه
وقال يوسف بن موسى : أن أبا عبدالله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ ) ( الآداب الشرعية - 2 / 441 )
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - عن النفث في الماء فأجاب : ( لا بأس بذلك فهو جائز ، بل قد صرح العلماء باستحبابه
وبيان حكم هذه المسألة مدلول عليه بالنصوص النبوية ، وكلام محققي الأئمة )( مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - 1 / 92 - جزء من فتوى صادرة عن مكتبه برقم ( 12 ) في 5 / 9 / 1374 هـ )
وقد أفاد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - بفتوى تجيز القراءة على الماء والشرب منه ، والفتوى مدونه في هذه السلسلة ( الأصول النديـة في علاقة الطب بمعالجي الصرع والسحر والعين بالرقية ) تحت عنوان ( الاستحمام بالماء المقروء )
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - : ( وكذا كنت أقرأ في بعض الماء وأنفث فيه مع القراءة فيشربه المريض ويجد له أثراً بيناً والله أعلم ) ( مخطوطة بخط الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – بحوزة الشيخ علي بن حسين أبو لوز – ص 237 )
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم النفث في الماء ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( النفث في الماء على قسمين :
القسم الأول : أن يراد بهذا النفث التبرك بريق النافث فهذا لا شك أنه حرام ونوع من الشرك ، لأن ريق الإنسان ليس سببا للبركة والشفاء ولا أحد يتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم أما غيره فلا يتبرك بآثاره ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته ، وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار كما كان عند أم سلمة – رضي الله عنها – جلجل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفى بها المرضى ، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم اعطته الماء ، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه ، أو بعرقه ، أو بثوبه ، أو بغير ذلك ، بل هذا حرام ونوع من الشرك ، فإذا كان النفث في الماء من أجل التبرك بريق النافث فإنه حرام ونوع من الشرك ، وذلك لأن كل ما أثبت لشيء سببا غير شرعي ولا حسي فإنه قد أتى نوعا من الشرك ، لأنه جعل نفسه مسببا مع الله وثبوت الأسباب لمسبباتها إنما يتلقى من قبل الشرع فلذلك كل من تمسك بسبب لم يجعله الله سببا لا حسا ولا شرعا فإنه قد أتى نوعا من الشرك
القسم الثاني : أن ينفث الإنسان بريق تلا فيه القرآن الكريم مثل أن يقرأ الفاتحة ، والفاتحة رقية ، وهي من أعظم ما يرقى به المريض ، فيقرأ الفاتحة وينفث في الماء فإن هذا لا بأس به ، وقد فعله بعض السلف ، وهو مجرب ونافع بإذن الله ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في يديه عند نومه بقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه ، والله الموفق ) ( مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين – 1 / 70 – 71 – برقم 35 )
يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : ( الأولى أن يقرأ المسلم على أخيه بأن ينفث على جسمه بعدما يقرأ الآيات أو على موضع الألم منه وهذه هي الرقية الشرعية وإن قرأ له في ماء وشربه فكذلك أيضا ) ( المنتقى - 1 / 72 - برقم 131 )
وقال - حفظه الله - : ( رقية المريض بالقرآن الكريم إذا كانت على الطريقة الواردة بأن يقرأ وينفث على المريض أو على موضع الألم أو في ماء يشربه المريض فهذا العمل جائز ومشروع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى ورقي وأمر بالرقية وأجازها ) ( المنتقى - 2 / 141 )
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : ( المقصود أن إيصال الرقية والقراءة بالنفخ " النفس " أو النفخ في الماء ثم يسقاه المريض أو يصب عليه فهذا لا بأس به لفعل السلف له ولا ينكر لأنه له أصل في السنة
ولكن كلما كانت الرقية مباشرة بدون وسائط كثيرة كلما كانت أفضل لهذا قال الجد الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – ورفع درجته في الجنة : كلما قرب الوقت كان أنفع وكلما كانت الوسائط أقل كان أنفع ) ( مجلة الدعوة – صفحة 22 – العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
هذا ما تيسر لي أخوتي الأفاضل ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية
No comments: